العارف بالله الشيخ محمود أفندي قدوة حسنة لعالم العلماء

بتقدير الله جل وعلا، فقدت هذه الأمة علما من أعلام الهدى، وطودا من أطواد الصبر والتحمل، وعالما إماما من علماء أهل السنة والجماعة . هو العارف بالله الشيخ محمود الأفندي رحمه الله.عالم نحرير من دولة تركيا، قد أنار ضوء الإسلام وأتمّه في العالم بحياته المباركة، خاصة في دولة تركيا. وكان حنفي المذهب، وشيخا كبيرا من مشائخ الطريقة النقشبندية. ومع ذلك كان هو من أجلة علماء أهل السنة والجماعة في العالم، لأنه قد وصل الى الدرجة العليا في مراتب علماء العالم. وكان أستاذا وشيخا ومرشدا لملايين نسمة من التلامذة من أنحاء العالم. فيهم العلماء النجباء والأمراء العظماء الذين يرشدون يرعون الناس في أماكن مختلفة. ومعظم علماء هذا العصر الحديث هم الموفقون لتعلم العلم من عند حضرته المباركة ،منهم العالم المشهور مفسر القرآن مؤلف صفوة التفاسير الشيخ محمد علي الصابوني. وقد نالته درجة أربعة وثلاثين من بين خمس مائة عالم أكثرَ تأثيرا في العالم الإسلامي مرارا من سنة ألفين وثمانية عشرة إلى سنة ألفين وواحد وعشرين

ولد الشيخ في قرية مشهورة بالعلماء طوشانلي بولاية طرابزون شرق تركيا عام 1348 من الهجرة في أسرة العلماء. وأبوه الشيخ علي الأفندي بن الشيخ مصطفى الأفندي. وأمه فاطمة حنيم. وكانت طفولة الشيخ في خلق كريم ومصاحبة جيدة. وكان أهله وأقاربه متعجبين بهذه الخصال المحمودة. وبهذه الصفات العظمى، كان الناس في زمنه يسمون لأولادهم بمحمود ليوافق أولادهم للشيخ في هذه الصفات محمودة

قد حفظ القرآن في نعومة أظفاره عام السادس من الولادة. وكان صاحب نشاط واجتهاد في العبادات والخيرات منذ صغر حياته. وكانت دراسته الإبتدائية في مدينة كيسرى. وله شيوخ عديدة كما له تلامذة كثيرة. ومن شيوخه الشيخ أحمد من مدرسة كيسرى. أخذ منه الشيخ الأفندي علم النحو والصرف واللغة الفارسية وغيرها. وبذل سنة كاملة عند هذا الشيخ مشتغلا بالعلوم النفيسة

ثم ارتحل إلى مسقط رأسه، وكان هناك عالم ماهر في أحكام قراءة القرآن وتجويده. ولقي الشيخ هذا العالم القارئ ثم تعلم منه ما تعلم من العلوم المتعلقة بالقرآن العظيم. ثم إنتقل منه إلى المدرسة السليمانية، وهي مدرسة مشهورة من مدارس تركيا. وكان هناك علماء عديدة الماهرون في العلوم المختلفة. كل شيخ كثير من التلامذة. وتعلم الشيخ من هذه المدرسة علم التفسير والحديث وأصول الفقه وعلم الكلام والبلاغة من أساتذة شتى. ومن أجلّهم الأستاذ الحاج درنوس الأفندي. واكتمل شهادة الدبلوم في عمره السادس عشر

وبعد فترة التعلم تزوج الشيخ بامرأة تليق به في الأوصاف الجميلة. وفي هذه الحياة الزوجية كانت له ثلاثة أولاد. ومع هذا قد نشر بطاقته العلوم والفنون المختلفة عل وجه الإمكان. وكان إماما وقائدا ورئيسا لمن اتبعوعه في جميع أمورهم وأحوالهم. وكان ممن أحب الوطن الأمي كسائر علماء أهل السنة والجماعة. يؤيد هذه المحبة مشاركته في ال الجندية لدولة تركيا. وبينما هو كذلك إذ وجد شيخه ومرشده الشيخ علي حيدر النقشبدي الخالدي. وكان ناصحا للملوك الأربعة الأخيرة في الخلافة العثمانية. والشيخ الأفندي سار سيرا بليغا مع هذا الشيخ في الحياة الروحانية. لأنه هو مريد حسن لشيخ حسن. وفي سنة ألف وتسع مائة وأربعين وخمسين تولى مسؤولية الإمامة في المسجد الجامع الإسماعيلي من إستانبول. وبعد وفاة الشيخ علي حيدر قد نال الأفندي جميع مقامه ومناصبه في العالم خاصة في تركيا. وحينما شاع صيته قد كثر عدد تلاميذه في مجالسه العلمية. وهذه الكثرة تشير إلى أن الشيخ ليس كسائر علماء ذلك العصر، بل له خصائص عديدة تميز عن غيره، كما تشير إلى مهارة علمه وعمقه. وتلاميذه لا من تركيا فحسب، بل سائر الدول العالمية، خاصة من الدول العربية. وكان موفقا للحج مرارا

ومن خصائصه أن له أصلا أصيلا في اعتقاد أهل السنة والجماعة. لأنه حينما شنّت نيران الحرب الأهلية في تركيا بسبب حكومة الجندية تحت كمال باشى المسمى بأبي الدولة، قال للمجتمع الإسلامي ليسكنوا مع السلامة ولم يأمرهم بالجهاد والخروج على الحكومة لأجل أن الخروج على الحكومة حرام في مثل الظروف التي قاسوها. وأعلن الناس للحياة مع الأمن والسلامة بغير ترك عمل من أعمال الدين. وهذه الميزة تميزه عن بعض علماء ذلك العصر. ولولا الشيخ هكذا في ذلك الوقت المخوف لقُتِل بيد الأعداء كما قتل علماء أفتوا الناس بالخروج على الحكومة. وفي هذا العصر الحديث أصبح الشيخ قدوة حسنة لحياة المسلمين في الأحوال المخوفة والأماكن الضيقة

وقد فرغ بعد مدة طويلة من الإمامة في عمره الخامس والستين. وزار عدة دول من دول العالم، يؤسس العلاقات بأهل الحق من تلك الدول وينشر حلاوة علومه كما يحتاج إليه. وقد زار الشيخ دولة الهند في سنة 2005. وكان من عادته أن يعتمر في كل سنة وأن يحج حسب وسعه. وكان من عشاق رسول الله صلى الله عليه وسلم.، ومحبيه. وقد زار الحبيب مع جماعة من التلامذة في عدة سنوات. وشارك الشيخ في ندوات إسلامية في مختلف أنحاء العالم

وجمعَ تلاميذه جميع أقواله التي يقول في المجالس والمحاضرات، ونشرها كتبا مؤلفا في ستة مجلدات. وترجم الشيخ القرآن إلى لغة تركيا الذي هو أهم خدمات الدينية باسم قرآن مجيد. وألف كتابا في تفسير القرآن باسم روح الفرقان. وأسس مؤسسات إسلامية عديدة في تركيا وغيرها. ونشر في رعايته كتب ومجلات ومنشورات دينية

وبعد هذه الحياة الجميلة انتقل الشيخ إلى الله في ٢٢ من ذي القعدة سنةَ 1443 الهجرية الموافق ل٢٣ من يونيو سنة ٢٠٢٢م. .اللهم اغفر لنا وله واجمع بيننا وبينه في دار جناتك النعيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

Author